صبري الغربي
السن : 42 المهنة : إمام خطيب تاريخ التسجيل : 18/07/2011 عدد المساهمات : 4
| موضوع: الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة الخميس يوليو 21, 2011 9:33 pm | |
| المطلب الأوّل: تعريف قاعدة "الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة" الفرع الأوّل: تعريف الحاجة لغة وشرعا واصطلاحا: الحاجة في اللّغة: اسم مصدر لفعل «احتاج» وتأتي على عدّة معاني منها المأربة والافتقار والقصور عن المبلغ المطلوب والاضطرار إلى الشّيء. الحاجة في الشّرع: وردت الحاجة في الشّرع على عدّة معاني لا تبعد عن المعاني اللّغويّة السّالف ذكرها؛ فقد وردت في القرآن الكريم في ثلاث مواضع: أوّلها قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ قال الشّيخ العلاّمة محمّد الطّاهر بن عاشور في تفسيرها: أي: مأربا مهمّا. وثانيها قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ أي: لتبلغوا في السّفر عليها المأرب الذي تسافرون لأجله. وثالثها قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي المأرب والمراد. أمّا في السُّنّة المطهّرة فقد وردت عبارة "الحاجة" في مواضع عدّة نقتصر على إيراد موضعين: الأوّل: حديث أبي مسعود الأنصاريّ قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ. فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ.» الثاّني: حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» الحاجة في الاصطلاح: عرّفها الإمام الشّاطبيّ رحمه الله بقوله: «أمّا الحاجيّات فمعناها أنّها مفتقر إليها من حيث التّوسعة ورفع الضّيق المؤدّي في الغالب إلى الحرج والمشقّة اللاّحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلّفين على الجملة الحرج والمشقّة ولكنّه لا يبلغ مبلغ الفساد العاديّ المتوقّع في المصالح العامّة.» وقريب من هذا التّعريف وأوضح في شموله لنوعي الحاجة - العامّة والخاصّة- هو تعريف أحمد كافي: «ما يحتاجه الأفراد أو تحتاجه الأمّة للتّوسعة ورفع الضّيق إمّا على جهة التّأقيت أو التّأبيد فإذا لم تراع دخل على المكلّفين على الجملة الحرج والمشقّة وقد تبلغ مبلغ الفساد المتوقّع في الضّرورة.» الفرع الثّاني: تعريف الضّرورة لغة وشرعا واصطلاحا: الضّرورة في اللّغة: اسم لمصدر الاضطرار ومعناها الاحتياج إلى الشّيء. الضّرورة في الشّرع: وردت بذات المعنى اللّغوي الأنف الذّكر في القرآن والسّنّة. أمّا في القرآن فقال تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وأمّا في السّنّة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَنْهَى النَّاسَ إِذَا أَحْرَمُوا عَمَّا يُكْرَهُ لَهُمْ:« لَا تَلْبَسُوا الْعَمَائِمَ وَلَا الْقُمُصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِمَا فَيَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ وَلَا الزَّعْفَرَانُ قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَنْهَى النِّسَاءَ عَنْ الْقُفَّازِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ.» الضّرورة في الاصطلاح: عرّفها السّيوطيّ رحمه الله بقوله: «فالضّرورة: بلوغه حدّا إن لم يتناوله الممنوع هلك أو قارب.» مسألة: في الفرق بين الحاجة والضّرورة: بالرّغم من التّشابه اللّغويّ في المعنى بين الحاجة والضّرورة حتّى أنّ البعض قد شرح معنى الضّرورة بالحاجة والحاجة بالضّرورة إلاّ أنّ الفرق بينهما بيّن وجليّ فقد قال ابن تيمية رحمه الله: «والفرق بين الضّرورات والحاجات في كثير من الشّرعيّات معلوم.» غير أنّه ثمّة فروق دقيقة بين الحاجة والضّرورة من المهمّ معرفتها وهي: - المشقّة في الحاجة أقلّ منها في الضّرورة. - استفادة الضّرورة من الحرام لذاته، واستفادة الحاجة من الحرام لغيره. - باعث الضّرورة الإلجاء وباعث الحاجة التّيسير. - أحكام الضّرورة مؤقّتة وأحكام الحاجة مستمرّة. - الضّرورة تبيح أنواعا من المحرّمات لا تبيحها الحاجة: حتّى أنّ الإمام الشّافعيّ قال: «ليس يحلّ بالحاجة محرّم إلاّ في الضّرورات.» الفرع الثّالث: المراد من القاعدة في الاصطلاح: بناء على ما تقدّم من بيانٍ لمعاني مفردات قاعدة "الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة" لغة وشرعا واصطلاحا يمكن القول أنّ المراد من هذه القاعدة في اصطلاح أهل العلم هو: أنّ التّسهيلات الاستثنائيّة لا تقتصر على حالات الضّرورة الملجئة فقط بل تشمل هذه التّسهيلات حالات الجماعة والأفراد أيضا ممّا دون الضّرورة؛ فالحاجة تنزّل فيما يحظره ظاهر الشّرع منزلة الضّرورة عامّة كانت أو خاصّة. مسألة: في تعيين نوع هذه القاعدة: الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة قاعدة فقهيّة. المطلب الثّاني: مستند قاعدة "الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة" الأدلّة النّظريّة: وفيها بيان أنّ ما تحدثه الحاجة من الضّيق والشّدّة والحرج والعسر خلاف لمقصود الشّرع؛ وما كان كذلك وجب دفعه. - منها قوله تعالى: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ - ومنها قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ والأدلّة على التّيسير ورفع الحرج كثيرة متواترة في القرآن والسّنّة، بل التّيسير هو سمة هذه الشّريعة الرّبّانيّة. الأدلّة التّطبيقيّة: وفيها بيان للتّشريع العمليّ الرّافع للحرج النّاتج عن الحاجة بتشريع الأحكام الاستثنائيّة كما الحال في الضّرورة. ومنها إباحة المنهيّ عنه للحاجة مثل نهيه عن الجلوس في الطّرقات، فقد أخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ قوله: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات! قالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بدّ نتحدّث فيها قال فأما إذا أبيتم إلاّ المجلس فأعطوا الطّريق حقّه قالوا: يا رسول الله فما حقّ الطّريق قال غضّ البصر وكفّ الأذى وردّ السّلام والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» فقد نهى عليه الصّلاة والسّلام النّاس أن يجلسوا في الطّرقات، غير أنّه لماّ أظهروا له حاجتهم إليها، لمقاصد صحيحة يترجّونها، أباح لهم ما احتاجوا إليه منها وأرشدهم إلى تجنّب مفاسدها. وغيرها من الأدلّة التّطبيقيّة الكثيرة التي تبيّن أنّ الشّارع الحكيم تعامل مع الحاجة تعامله مع الضّرورة فأنزلها منزلتها وشرّع لها أحكاما استثنائيّة ترفع الحرج والضّيق الواقع بسببها، وفي المطلب التّالي زيادة بيان لما ذكر. المطلب الثّالث: تطبيقات قاعدة "الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة" لهذه القاعدة تطبيقات كثيرة مستفيضة، نذكر منها: - مشروعيّة العقود التّالية: الإجارة، الاستصناع، الاستزراع، الاستصلاح، السّلم: فهذه العقود جوّزت على خلاف القياس لما فيها من ورود العقد على منافع معدومة لعموم الحاجة إلى ذلك والحاجة إذا عمّت كانت كالضّرورة. - مشروعيّة الجعالة: وهو عقد فيه جهالة جوّز للحاجة إليه. - مشروعيّة النّظر للمخطوبة، تجويز استئجار السّمسار، تجويز دخول الحمّام بأجر، تجويز الوصيّة، تضبيب الإناء بالفضّة، بيع الوفاء... - جواز الأكل من طعام الكفّار في دار الحرب للحاجة. - جواز اقتناء الكلاب لحاجة ماسّة كحماية الزّرع... - جواز ترجمة معاني القرآن الكريم باللّغات الأجنبيّة. - جواز النّظر للعورات قصد المداواة. - جواز دخول الحائض والجنب للمسجد للحاجة... المطلب الرّابع: قواعد ذات الصّلة بـ"الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة" من القواعد ذات الصّلة بقاعدة الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة: - الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة عامّة كانت أو خاصّة. - الحاجة العامّة تنزّل منزلة الضّرورة الخاصّة في حقّ آحاد النّاس - كلّ ما دعت الضّرورة إليه من المحظور فإنّه ساقط الاعتبار على حسب الحاجة وبحسب الضّرورة. - اعتبار الحاجة في تجويز الممنوع كاعتبار الضّرورة في تحليل المحرّم. - ما دعت إليه الحاجة أكثر كانت النّفوس به ألهج وإليه أسرع. - الضّرر يدفع بقدر الإمكان المطلب الخامس: مستثنيات قاعدة "الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة" منها عدم جواز رتق غشاء البكارة في قول، وإن كان رتق الجرح جائزا نظرا لحاجة المريض إلى جراحة الفتق لمكان الآلام وخوف الضّرر المترتّب على ترك الفتق دون علاج فإنّه يرخّص للمرضى والأطبّاء في فعله لقاعدة: "الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة". ولم يجوّزوا رتق غشاء البكارة لكونه قد يؤدّي إلى اختلاط الأنساب، فقد تحمل المرأة من الجماع السّابق ثمّ تتزوّج بعد رتق غشاء بكارتها وهذا يؤدّي إلى إلحاق الحمل بالزّوج واختلاط الحلال بالحرام. كما أنّ في رتق البكارة اطّلاع على المنكر. وهو أيضا يسهّل ارتكاب جريمة الزّنا. وتبعا لقاعدة : "الضّرر لا يزال بمثله" لا يجوز للفتاة أن تزيل الضّرر عنها برتق غشاء البكارة وتلحقه بالزّوج. ولما فيه من غشّ كذلك.... والله أعلم وأحكم. كتبه الفقير للطف ربّه صبري الغربي
عدل سابقا من قبل صبري الغربي في الخميس يوليو 28, 2011 8:55 pm عدل 1 مرات | |
|
كمال بوهلال Admin
السن : 57 المهنة : استاذ تفكير إسلامي تاريخ التسجيل : 30/12/2009 عدد المساهمات : 191 http://educ.forumactif.com
| موضوع: رد: الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة الإثنين يوليو 25, 2011 7:00 am | |
| شكرا لك أخي على هذه الإفادة الأصولية مع العلم أن علم التقعيد من أبرز ما أنتجه الفكر الإسلامي فهو من علامات النضج ولعلنا اليوم في حاجة إلى أمرين لمعالجة قضايا عصرنا الاعتماد على المقاصد وعلى القواعد الفقهية لذا أرى أنه من الضروري المواصلة في هذا الاتجاه بشرح بقية القواعد الفقهية وخاصة القواعد الأساسية ثم ما تفرع عنها من قواعد فرعية وبارك الله فيك | |
|