إليكم هذا الرأي الفقهي فما رأيكم فيه؟
الرسول لم يحرم مصافحة المرأة أو لمسها باليد
مسألة تحريم مصافحة المرأة تثير كثيرا من الجدل بين الناس ما بين محرم ومحلل، والذين قالوا بالحرمة استندوا إلي بعض الروايات المنسوبة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام لعدم وجود أي نص في الكتاب الكريم يحرم ذلك، ونناقش هذه الروايات علي النحو التالي: الرواية الأولي: عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ». أخرجه الطبراني (20/212، رقم487)، والروياني في «مسنده» (227/ 2)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 395).
وبإمعان النظر في هذه الرواية وإعادة قراءتها نجد أنها لم تنص صراحة علي تحريم مصافحة الرجل للمرأة أو لمسها باليد، ولوجدنا أنها لا تشير إلي ذلك علي الإطلاق، فالنص يقول: (خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ)، فلو سلمنا جدلا أن هذا النص يحرم لمس ومصافحة الرجل للمرأة التي لا تحل له باليد كما فهم القوم ألا يحق لنا أن نسأل من هي تلك المرأة التي لا تحل لنا حتي نتجنب مصافحتها أو لمسها باليد؟. هل هي التي لا يحل لنا الزواج منها كالأم والأخت والابنة؟، أم المرأة المتزوجة التي لا يحل زواجها وهي علي ذمة رجل آخر؟ وما المقصود بقوله تحل له؟، هل لا يحل له زواجها أم لا يحل له ماذا؟، الجواب: إن النص به غموض وبه بعض الإشكالات، منها: لو كان المقصود بالمرأة التي لا تحل له أي لا يحل له الزواج منها فسيطال ذلك كل النساء اللاتي لا يحل من جهة النسب الزواج منهن كالأم والأخت والابنة والخالة والعمة وغيرهن، وهذا محال القول به، وإذا فهل يحل مس المرأة التي يحل لنا الزواج منها أن نمسها ونصافحها أم أن الأمر ليس مقصودا به هذا أو ذاك.
إذاً في الأمر غموض ولبس وعدم فهم نشأ من عدم انتباه القوم للدلالة الحقيقية لكلمة (مس)، فقد فهم القوم أن كلمة (مس) تعني اللمس والمصافحة باليد، بل إن القوم لم يفرقوا بين كلمة (مس) وكلمة (لمس) وظنوا أن الكلمتين بمعني واحد، وهذا ما أوقعهم في كثير من المآزق مع عدد من نصوص القرآن التي لم يجدوا لها مخرجا إلي الآن.
إن كلمة (مس) لا تعني اللمس باليد، وإنما الفعل (مس) يدل علي احتواء شيء لشيء أو دخوله فيه أو إحاطته به أو تلبسه به، هذا هو المدلول الصواب كما جاء في لسان العرب لكلمة (مس)، أما الظن بأن معني ومدلول كلمة (مس) هو جس الشيء ولمسه باليد لهو معني باطل ومدلول خاطئ لم يرد في الكتاب الكريم ولا في غيره، فقد ورد المس في كثير من آيات القرآن لا يعني اللمس باليد منها علي سبيل المثال قوله تعالي: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَي أَن مَّسَّنِيَ الكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) (54_ الحجر).فهل يعني مس الكبر هنا اللمس باليد، وكذلك قوله تعالي: (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) (الأنبياء:83). فهل الضر يلمس الإنسان بيده، إذا فاللمس غير المس، اللمس هو جس الشيء باليد، أما المس فهو: احتواء شيء لشيء أو دخوله فيه أو إحاطته به أو تلبسه به.
ومنه قوله تعالي: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) (237_ البقرة).
هذه الآية تنص علي أن من طلق امرأته قبل أن يمسها فلها نصف ما فرض لها من أجر وصداق، ولو كان المس كما يقول القوم هو اللمس باليد أو المصافحة فهل يخطر ببال عاقل أن من عقد نكاحه علي امرأة لا يستطيع لمسها بيده ومصافحتها خشية أن يطلقها قبل الدخول بها فتذهب بكل ما فرض لها من أجر وصداق؟، إذاً: نخلص من كل ما سبق أن كلمة (مس) لا تعني سوي احتواء شيء لشيء أو دخوله فيه أو إحاطته به أو تلبسه به، ولو عدنا إلي نص الحديث: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ). نراه لا يعني سوي: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس: أي يحيط ويحتوي ويتلبس ويدخل« بامرأة لا تحل له). وليس (أن يلمس أو يصافح امرأة لا تحل له).
منقول عن روز اليوسف