صبري الغربي
السن : 42 المهنة : إمام خطيب تاريخ التسجيل : 18/07/2011 عدد المساهمات : 4
| موضوع: الدعوة إلى تطبيق الشريعة في ضوء التشريعات المعاصرة الإثنين يوليو 18, 2011 8:21 pm | |
| [size=12] تمهيد إنّ الغاية التي من أجلها وُضعت الشّريعة هي أن يتحمّلها المكلَّف إيمانا وعملا، إيمانا بأحقّيّتها ووجوب الاحتكام إليها لقول الله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴾ وعملا بمقتضاها والقيام بمستلزماتها. قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ وعليه فلم يكن من أمر المسلمين إلاّ الخضوع لإرادة خالقهم ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ﴾و ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ فكان فلاحهم بأن طبّقوا شريعة ربّهم على جميع شعب حياتهم. إلاّ أنّ حكمة الله تعالى اقتضت أن تكون الأيّام دول ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ فضعف كيان المسلمين ودولتهم واستولى عليها أعداؤهم فاستبدلوا شريعة الله بشريعتهم، وحلّت مكان أحكام الله تعالى أحكام البشر، وأُلزم المسلمون بالانقياد إليها. وبعودة الصّحوة الإسلاميّة اصطحبت معها الدّعوة إلى إعادة تطبيق شريعة الله تعالى ونبذ التّشريع الذي تركه المستعمِر في بلاد الإسلام. وهذه وريقات تبحث في هذا النّداء وكيفيّة الاستجابة له في ظلّ هذه التّشريعات التي صار لها عمقها وتأثيرها البالغ في الشّارع الإسلاميّ. مفهوم تطبيق الشّريعة أوّلا: المراد من تطبيق الشّريعة: يقول مصطفى الزّرقا رحمه الله: «الشّريعة الإسلاميّة هي مجموعة الأوامر والأحكام الاعتقاديّة والعمليّة التي يوجب الإسلام تطبيقها لتحقيق أهدافه الإصلاحيّة في المجتمع.» فالشّريعة الإسلاميّة تشمل الأحكام العقديّة والأحكام السّلوكيّة العمليّة التي ينبغي على المسلم أن يطبّقها في حياته، وليست الشّريعة مختصّة بالعمليّات فقط كما هو مستقرّ في الثّقافة الإسلاميّة، وليست مختصّة بالحدود والعقوبات كما هو شائع في هذا العصر. أمّا المراد من تطبيق الشّريعة فيقول الدّكتور عبد المجيد النّجّار: «نعني بتطبيق الشّريعة في هذا البحث تنزيل الأحكام الشّرعيّة الشّاملة على حياة الإنسان، بحيث تصبح هذه الحياة مهتدية في كلّ شعابها بهدي الدّين، جارية على مقتضيات أحكامه في السّيرة الفرديّة، وفي التّعامل الاجتماعيّ بالمعنى الموسّع، وفي التّعامل الإنسانيّ العامّ وفي التّعامل الكونيّ مع الطّبيعة، فضلا عن الصّلة التّعبّديّة المباشرة بين الإنسان وربّه.» فتطبيق الشّريعة هو اتّباع منهج الله تعالى تصديقا وتطبيقا. ومنهج الله تعالى هو الطّريقة التي رسمها للخلائق في اعتقاداتهم وفي سلوكاتهم، وهو منهج يتّسم بالشّمول لأنّه يشمل بالبيان جميع أنحاء الحياة سواء منها الاقتصاديّة أو السّياسيّة أو العلاقات الدّوليّة أو الاجتماعيّة أو الأسريّة أو العلاقات الفرديّة بين الإنسان وربّه أو بين الإنسان والكون. ثانيا: من خصائص الشّريعة: إنّ لشريعة الإسلام خصائص عديدة نقتصر على ذكر بعضها الذي له علاقة ببحثنا هذا: 1. التّكامل: ومعناه أنّ أحكام الشّريعة «تتكامل فيما بينها لتحقيق مصالح الإنسان، فالأحكام المتعلّقة بالفرد متكاملة فيما بينها لتحقيق مصلحته، والأحكام المتعلّقة بالمجتمع تتكامل فيها مصالح الأفراد جميعا، كما تتكامل الأحكام على المستوى الزّمنيّ أيضا فهي تحقّق صالح الأجيال بتكامل وتوازن على مرّ الزّمن. وهكذا فإنّ الشّريعة معصومة بالوحي من كلّ تفاوت، خالصة من كلّ تناقض.» فالشّريعة إذن تمثّل وحدة متكاملة أو منظومة حياة تترابط أجزاءها من أجل تحقيق مصلحة الإنسان الفرد والجماعة. وكما أنّ الحياة الإنسانيّة متشابكة يرتبط بعضها ببعض، الاقتصاد بالسّياسة ونظام الأحوال الشّخصيّة بنظام المعاملات الماليّة ويتأثّر هذا بذاك، كذلك نلحظ ارتباطا وثيقا بين التّشريعات الرّبّانيّة في مختلف المجالات مراعية هذا التّشابك بين شعاب الحياة، ولعلّ هذا من أسرار وصل الأخلاق بالتّشريعات في الآيات القرآنيّة، ووصل العقيدة بالسّلوكات العمليّة... وعليه، فتطبيق الشّريعة الإسلاميّة ينبغي أن يراعي هذا التّكامل والتّرابط لتجنى الثّمرة الكاملة. 2. الواقعيّة: ومعنى واقعيّة الشّريعة أنّها تراعي الحالة الاجتماعيّة والمستوى الثّقافيّ للدّولة المتبنّية تطبيق الشّريعة. فقول النّبيّ : «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا -يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ-» إشارة لهذا المعنى. يقول الإمام الشّاطبيّ: «هذه الشّريعة المباركة أمِّيَّةٌ: لِأنَّ أَهْلَهَا كذلك فَهُوَ أَجْرَى عَلى اعْتِبَارِ المَصَالِحِ» قال الشّيخُ عبد الله دراز تعليقًا: «أَي فَإِنَّ تَنزيلَ الشَّريعةِ عَلى مُقتضَى حَالِ المُنزَّل عَليهم أَوْفَقُ برعايةِ المصَالح التي يقصدُها الشّارعُ الحكيمُ» فالشّارعُ الحكيمُ راعى الحالة الاجتماعيّة لمجتمعِ العربِ آنذاك بأنَّ جُمهورَهُمْ لا يَعْلَمُ الحِسابَ، فَكلَّفَهُم بِما يُطيقُونَ وَيفهمهُ جَميعُهم، فَقَالَ:«لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلاَلَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ؛ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ولم يُطَالبْهُمْ «بِحِسَابِ مَسِيرِ الشَّمْسِ مَعَ القَمَرِ فِي المَنَازِلِ لأَنَّ ذَلكَ لَم يَكُنْ مِنْ مَعْهُودِ العَرَبِ ولاَ مِن عُلُومِهَا» فواقعيّة الشّريعة في أنّها تأخذ بعين الاعتبار الحالة التي عليها المكلّفون. مثال: تطبيق حدّ الزّنا له ارتباط بالحالة الاجتماعيّة بمرتكبي الزّنا، ففي عصر النّبوّة اختلف الحدّ بين الأحرار والعبيد وليس هذا الاختلاف إلاّ رعاية للحالة الاجتماعيّة آنذاك، وفي عصرنا هذا قد تراعى حالة الفقر المدقع وعدم استطاعة الباءة، والإثارة الإعلاميّة للغرائز وغياب التّربية والتّوعية، وعدم الالتزام بالحجاب الشّرعيّ والاختلاط اللاّمحدود بين الجنسين، وغياب الوازع السّياسيّ... كلّ ذلك يؤثّر على مشروعيّة تطبيق الحدّ. تطبيق الشّريعة في عصر النّبوّة أوّلا: نظرة الشّريعة للعلاقات القائمة في الجاهليّة: لا شكّ أنّ الإسلام حين حلّ شرعه على النّاس كانت تحكمهم قبل ذلك تشريعات وضعوها بأنفسهم تنظّم علاقاتهم وتحكم تصرّفاتهم. والشّريعة الإسلاميّة إزاء هذه التّشريعات لم تقف موقف الرّفض الكلّيّ لها ولكن وزنتها بميزانها فرفضت ما يتصادم مع مبادئها كوأد البنات الذي يتصادم مع مبدأ المساواة بين الذّكر والأنثى في حقّ الحياة، وغيرها من العقود الفاسدة كالرّبا والعقود المشتملة على الغرر... وعدّلت أمورا كالزّواج بأربعة، وتركت أمورا لكونها مشروعة ابتداء سواء في العبادات أو المعاملات كالسّعي بين الصّفا والمروة والوقوف بعرفة، ونصرة المظلوم وخلق الكرم. وذلك لأنّ الشّريعة تدعو إلى مكارم الأخلاق والنّبيّ إنّما بعث ليتمّم مكارم الأخلاق. ثانيا: مسالك تطبيق الشّريعة في عصر النّبوّة: يمكن أن نقول أنّ تطبيق الشّريعة في عصر النّبوّة امتاز بثلاثة أسس مهمّة: الأساس الأوّل: الإقرار: وهو في إقرار بعض العقود أو المعاملات أو العبادات من الجاهليّة لكونها تتماشى ومبادئ التّشريع. فعنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ قَالَ كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ. فكلّ ما شرع ابتداء يتوافق ومبادئ الشّريعة، وإن شرع بتواضع النّاس، فهو باق على أصل المشروعيّة. الأساس الثّاني: التّعديل: وذلك بأن يكون أصل الشّيء مشروعا ولكن الكيفيّة غير مشروعة، كزواج التّعدّد فأصله مشروع إلاّ أنّه كان في الجاهليّة الرّجل قد يتزوّج عشرة نساء، فجاء الإسلام ليقيّد العدد بأربعة. فعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ حِينَ أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ. الأساس الثّالث: الاستبدال: مثاله ما أخرجه النَّسائيّ بسند صحيح عن أنس بن مالك - - أنّه قال : «كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ قَالَ: كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى». الأساس الرابع: المنع أو التّأسيس: وذلك بأن يمنع عمل ما كان في الجاهليّة لتعارضه ومبادئ الشّريعة، أو أن يؤسّس عمل لم يكن في الجاهليّة بتشريع جديد. وهذا الأساس في المنع أو التّأسيس خاضع لقواعد أهمّها: أوّلا:التّدرّج في التّطبيق: إنّ الشّريعة لمّا أرادت منع فعل ما لم تمنعه دفعة واحدة وإنّما تدرّجت رعاية للمصلحة في ذلك، وقصّة منع الخمر معروفة وواضحة الدّلالة. ثانيا: الإشباع الإيمانيّ قبل التّطبيق: وهذه أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها تُحدِّثُنا عن هذه القاعدةِ البَنَّاءَةِ فتقول: «... إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ -أي من القرآن- سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا. لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ...» ثالثا: إرجاء التّطبيق رعاية للمصلحة: في كثير من الأحيان قد يعدل عن تطبيق أمر ما رعاية في ذلك للمصلحة أخذا بعين الاعتبار قاعدة مآلات الأفعال الخاضعة لوضع النّاس الاجتماعيّ أو النّفسيّ أو الفطريّ، ولتوضيح هذه القاعدة عدل النّبيّ عن إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ :« لَوْلَا حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ ثُمَّ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ، وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا.» قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ:« حَدَّثَنَا هِشَامٌ: خَلْفًا يَعْنِي بَابًا.» وفي رِوايةٍ قال : « وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ مَخَافَةَ أَنْ تَنْفِرَ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْتُ هَلْ أُغَيِّرُهُ فَأُدْخِلَ فِيهِ مَا انْتَقَصَ مِنْهُ وَجَعَلْتُ بَابَهُ بِالْأَرْضِ.» لمَّا كانَتِ الكَعْبَةُ المُشَرَّفَةُ تُمَثِّلُ مَهْوَى أَفئدَةِ المُؤمِنين، وَمَجْلى تاريخِ النُّبُوَّاتِ الأولى؛ كانَ الأَصْلُ أن تَبْقى على ما تَرَكَها عليه الأنبِياءُ - صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَليهم -؛ لكنَّ قُرَيْشًا حينَ أَرادَتْ تَجْديدَ بِنائها في الجاهِليَّةِ؛ لم يكن مَعَها من المالِ الحلالِ ما يَكْفي لإعادَةِ البِناءِ إلى ما كان عَليهِ، فانْتَهَتْ بها الاستِطاعَةُ إلى تَشْيِيدِها على النَّحْوِ الذي كانت عليه في عَهْدِ المُصطفى . وَقَد كانت نَفْسُ النّبيّ تَسْتَشْرِفُ إلى تَدارُكِ ما قَصُرَتْ عنه نَفَقَةُ قريشٍ؛ غير أنّه تَرَكَ المَصْلَحَةَ المُحقَّقَةَ في إعادَةِ بِناءِ البِيْتِ على قَواعِدِهِ الأَصْلِيَّةِ التي أَسَّسَها إبراهيمُ ؛ خَشْيَةَ اهْتِزازِ حُرْمَةِ البَيْتِ من النُّفوسِ، وَخَوْفَ نُفُورِ النّاسِ من الإسلامِ لاعْتِقادِهم أنّ ذلك جُرْأة على الكَعْبَةِ، واعتِداءٌ على حُرْمَتِها. فكلّ هذه القواعد راعاها الشّارع حين تطبيق الأحكام في عصر النّبوّة. تطبيق الشّريعة في ضوء التّشريعات المعاصرة أوّلا: تأصيل التّشريعات المعاصرة: هذه التّشريعات المعاصرة التي تسير عليها أغلب دول العالم الإسلاميّ وغير الإسلاميّ تتمثّل في قوانين تواضع عليها النّاس ترجع أصولها إلى أصلين أساسيين: أوّلا: العرف: وهي عادات تمخّضت عبر الزّمن في صورة قواعد درج النّاس على احترامها والسّير على وُفقها. ثانيا: قوانين مدوّنة: وأصلها الحقوق الطّبيعيّة للإنسان التي تمخّضت عبر الزّمن في صورة العقد الاجتماعيّ الذي أسّست القوانين عليه. وكلا المصدران في التّشريعات المعاصرة يجمعها أنّها اجتهادات بشريّة مراعية المصالح المشتركة، وحماية الحقوق الطّبيعيّة، وهي في الجملة لها اعتبارها في الشّرع، إذ أنّ العرف الصّحيح معتبر، والشّريعة إنّما قامت لتحقيق مصالح العباد وحماية حقوقهم. ثانيا: أسس تطبيق الشّريعة في ضوء التّشريعات المعاصرة: لا شكّ أنّ كثيرا من التّشريعات المعاصرة تتوافق مع هدي الشّريعة وخاصّة التّشريعات التي تتحرّى المقاصد العليا للتّشريع كالعدالة والمساواة والحرّيّة... إلاّ أنّ الكثير منها كذلك يتعارض مع الشّريعة. ولا شكّ أنّ تطبيق الشّريعة في ضوء هذه التّشريعات المعاصرة ينبغي أن يسير على منهجيّة محكمة: أوّلا: الاستصحاب: كلّ ما كان صالحا يستصحب مع التّنبّه للخلفيّات الفلسفيّة والثّقافيّة لتلك القوانين. ثانيا: التّكامل: ربط القوانين وتأصيلها لتكون داخل منظومة شرعيّة معتبرة متكاملة لجني الثّمرة الكاملة من التّطبيق. ثالثا: التّدرّج: وذلك في منع ما تبيحه القوانين من المحرّمات كالخمر والرّبا، وفي تطبيق الحدود الشّرعيّة وتأسيسها، وذلك يتمّ عبر شروط أهمّها: 1. إيجاد البدائل الشّرعيّة. 2. التّعبئة الإيمانيّة والإشباع العقديّ حتّى ينفعل النّاس للتّطبيق. 3. العمل على توعية الشّعوب وإيجاد المناخ التّربويّ الصّحيح. 4. القضاء على الإغراءات والفساد في الشّارع. وفي هذا الوقت يمكن تبنّي حدودا وعقوبات ظرفيّة كما يقول الزّرقا رحمه الله إلى أن يتهيّأ الوضع لتحكيم العقوبات الشّرعيّة. يقول مصطَفى الزّرقا رحمه الله: أنّهُ إذا لوحِظَ « أنَّ تَطْبيقَ الحُدُودِ الأَرْبَعَةِ أَصْبَحَ مُتَعَذِّرًا في زَمانٍ أوْ مَكانٍ، فَمِنَ المُمْكِنِ تَطْبيقُ عُقوبَةٍ أُخْرَى، ولا يوجِبُ هذا تَرْكَ الشَّريعَةِ أجْمَعَ.» هذا، والله تعالى أعلم وأحكم، إن أحسنت فمن الله تعالى وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله. وصلّى الله وسلّم وبارك وأنعم على المبعوث رحمة للعالمين سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. خاتمة شريعة الله تعالى تمثّل منظومة حياة متكاملة ينبغي الحرص على العمل على تطبيق جميع مجالاتها وشعبها دون الاقتصار على مجال دون مجال لكون ذلك قد يحول دون تحقّق المصالح التّامّة من التّطبيق، وحتّى لا نكون ممّن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض. تطبيق الشّريعة ينبغي أن يسير عبر منهجيّة محكمة تراعي حالة النّاس من أجل حملهم على الحقّ دون أن يدفعوه. الكثير من القوانين والتّشريعات المعاصرة صالح وكثير منها لا يتناسب والشّرع، فيبقى الصّالح منها مشروعا على أصله مع الانتباه من أنّ الكثير من القوانين لها طابع فلسفيّ وثقافيّ مخالف لثقافة الإسلام قد يُربك المنظومة الإسلاميّة. أمّا القوانين التي لا تتناسب والشّريعة فينبغي التّدرّج في منعها أو ضبطها، أو التّأسيس عليها. والله أعلم وأحكم.
تم بحمد الله كتبه الفقير إلى عفو ربه صبري الغربي
التّمهيد ...................................................................... ص: 1 مفهوم تطبيق الشّريعة ........................................................ ص: 2 المراد من تطبيق الشّريعة .................................................. ص: 2 من خصائص الشّريعة .................................................... ص: 3 تطبيق الشّريعة في عصر النّبوّة ................................................. ص: 5 نظرة الشّريعة للعلاقات القائمة في الجاهليّة ................................. ص: 5 مسالك تطبيق الشّريعة في عصر النّبوّة ..................................... ص: 5 تطبيق الشّريعة في ضوء التّشريعات المعاصرة ................................... ص: 8 تأصيل التّشريعات المعاصرة ............................................... ص: 8 أسس تطبيق الشّريعة في ضوء التّشريعات المعاصرة .......................... ص: 8 الخاتمة ....................................................................... ص: 10 المحتويات ..................................................................... ص: 11
[/size][b] | |
|